السلام عليكم .
صديقي طبيب المستقبل ..
سنقوم بعونه تعالى تباعاً في هذا القسم بطرح المواضيع التي تهمك في وجهتك المستقبلية للاختصاص , و سنبتدئ الآن بإلقاء نظرة عامة على الموضوع قبل أن نخوض بتفاصيل كل تجربة منها على حدا, و ذلك بهدف إعطاء فكرة عامة و نظرة شاملة عن الموضوع, على أن نقوم بإعادة إجراء هذه الدراسة المقارنة بشكل موسع و شامل بعد أن ننهي تفصيل كل تجربة منها على حدا إن شاء الله, و ذلك بعد أن تكتمل في ذهنك الصورة الكاملة حولها, و الهدف طبعاً هو أننا نريد منك اتخاذ القرار الصائب في اختصاصك لأنه مشروع مستقبلك الأوحد, و مستقبلك و نجاحك يهمنا, فالوطن بحاجة لجهود أبنائه الناجحين.
باسم الله نبدأ ..
عزيزي طبيب المستقبل, ينبغي لك أن تدرك منذ البداية أن الاختصاص هو طريق حياتك, و هو طريق لا عودة فيه, هو الطريق الذي سيكلف الخطأ باختياره كثيرا و كثيرا جدا من جهدك و وقتك و مالك و مستقبلك, فيما سيحمل النجاح فيه إبداعاً و عطاءً واعداً, لك و لوطنك على حد سواء.
أمامك بعد التخرج طرق عدة لابد لك و بشكل حاسم من اختيار أحدها ليكون طريقك و مستقبلك, فتمهل في اختيارك و لا تقرر إلا بعد أن تكون على اطلاع على جميع الطرق المتاحة لتختار منها ما يناسبك من شتى النواحي العلمية و المادية و الاجتماعية و غيرها, استمع لتجارب الآخرين من باب النصح و المشورة, لكن لا تحاول إسقاط أي تجربة عليك, فلكل ظروفه و نظرته المستقبلية.
إن خياراتك الأكثر وضوحا لمتابعة اختصاصك هي خمس : بلدك الأم , فرنسا, بريطانيا, أميريكا و ألمانيا, سنتحدث عن ملامح كل منها باقتضاب الآن, على أن نفصل بعون الله بكل واحدة منها في ملفها الخاص بها.
أولاً .. الاختصاص في بلدك الأم :
يبقى البلد الأم هو الخيار الأول و الوحيد للكثيرين, و هو خيار لا بأس به لمن أراد أن يتعلم بجهده الذاتي و يعتمد على نفسه , أضف لكونه خياراً غير مكلف ماديا, و فيها يلعب العامل الاجتماعي الدور الحاسم , فنسبة كبيرة من أخواتنا طالبات الطب ليس أمامهن خيار سوى البقاء ببلدهن لمتابعة الدراسة, و كثر من الطلاب من يراها خياره الوحيد لسبب أو لآخر ..
يعيب الدراسة في بلادنا العربية بشكل عام ضعف الأكاديمية في أسلوب التعليم الطبي, الأمر الذي يحد من إمكانات الطالب هنا و يجعل الكثيرين يفكرون بخيار آخر لاختصاصهم.
ثانياً .. الاختصاص في أمريكا :
أميريكا هي خيار من يملك نفساً دراسياً نشيطاً , تتطلب منك تجاوز امتحانات الـ USMLE للوصول لها, و هي امتحانات تحتاج لتحضير ليس باليسير, لا شك بكونها الأفضل أكاديمياً و الأقوى على الإطلاق في شتى رحاب المعمورة, و محط أنظار الجميع, لكن الاختصاصات المتاحة قليلة التنوع, و تكاد تقتصر على الأمراض الباطنة و المخبر و الباثولوجي و طب الأطفال و أمراض النساء , في حين يحمل الاتكال على التخصصات الجراحية من المغامرة الكثير, أما العيادات كأمراض العين و أمراض الجلد و أمراض الأذن - أنف - حنجرة فتغدو حلما بعيد المنال.
هنا الناحية المادية مؤمنة و الراتب يفرض بشكل قطعي, و يبدأ ب 2300 دولار شهرياً ليزداد مع تقدمك بالاختصاص.
العمل بعد إنهاء الاختصاص مؤمن و براتب محترم جداً و هي النقطة الفارقة هنا.
باختصار, فإن كنت ترى في نفسك القدرة على الدراسة و بعزم و إن كنت من محبي الأمراض الباطنة خصوصاً فلا تتردد أبداً, أميريكا هي بلا ريب خيارك الأوحد.
ثالثاً .. الاختصاص في بريطانيا :
بريطانيا قد كانت بالماضي القريب خياراً جيداً جداً, مكانتها العلمية لا مجال لنقاشها البتة, تحتاج لامتحان قبول طبي ( البلاب ) و امتحان اللغة ( الآيلتز ) و النجاح بهما ليس بالأمر الصعب أبدا و خصوصا الامتحان الطبي, لكن القوانين المطبقة حاليا قد جعلت من بريطانيا للأسف حلماً ليس بالمتناول تحقيقه بسهولة ما لم تحمل جواز سفر أوروبي.
الناحية الأكاديمية ممتازة, و الناحية المادية مؤمنة, لكن بريطانيا تبقى الآن خياراً مؤجلاً لحين تتغير الأنظمة التعليمية السائدة حالياً, علماً أن القوانين عندهم تتبدل بانتظام, و قد تعطي قوانين تصدر لاحقاً الأمل في جعلها خياراً متاحا للطالب العربي .
رابعاً .. الاختصاص في ألمانيا :
قد تكون ألمانيا من أفضل الخيارات المتاحة حالياً, لن تحتاج لامتحان قبول, إلا في بعض المقاطعات التي لن تكون مضطرا لمتابعة قبولك فيها فالخيارات غالبا متعددة و معظم المقاطعات لا تطلب أمرا كهذا, جميع الخيارات في اختصاصك متاحة, فالجراحات و العيادات ليس من العسير الحصول عليهم أبدا, دراستك فيها لا تختلف عن دراسة الطالب الألماني سوى من حيث الراتب, و ستحصل على شهادة قوية جداً و هي نفسها شهادة الطالب الألماني.
تحتاج لرحلتك لها تأمين قبول هناك و امتحان لغوي أساسي ( ZD ) و قد طلبت بعض المقاطعات مستوى اللغة المتوسط في حالات قليلة لكن هذا الأمر بات نادرا جدا و يمكن تجاوزه أضف أنه لم يعد يطلب.
مشكلة ألمانيا هي العامل المادي, فإمكانية الحصول على راتب فيها أصعب من غيرها من الدول و لكنه أمر ممكن جدا طبعا , فمعظم الطلاب العرب يحصلون عليه بعد عام تقريبا.
فرصة متابعة عملك فيها بعد الاختصاص محصورة بزواجك من امرأة ألمانيّة.
أخيراً .. الاختصاص في فرنسا :
تعتبر فرنسا خياراً لا بأس به للكثيرين من طلابنا العرب, تمتاز بسهولة الوصول لها نسبيا من شتى النواحي - القبول و الفيزا و غيرها - , الاختصاصات المتاحة كثيرة و تكاد تشمل كل الاختصاصات, و إن كان يؤخذ على الجراحة فيها ضعف الممارسة العملية نسبيا مقارنة ببقية الدول, يحتاج الحصول على شهادة قريبة من شهادة الفرنسيين ( DES ) أن تكون لغتك الفرنسية قوية جدا لدرجة تسمح لك بدراسة الطب بالفرنسية بطلاقة, و بالتالي عليك تقديم امتحان قبول على مرحلتين باللغة الفرنسية حصراً للوصول لها , و طالما كان هذا خيارا غير عملي لكثير من العرب الذين يدرسون الطب بالعربية أو الانكليزية, لذا يغدو الخيار الأكثر شيوعا هي الشهادات المخصصة للأجانب, و التي لا ترقى لمستوى الشهادة الأميريكية و البريطانية و الألمانية , و غير معترف بها حتى في فرنسا فلا تخولك العمل هناك, و تحتاج لتعديلها حين عودتك لبلدك.
إمكانية الحصول على راتب كبيرة جداً لمعظم الاختصاصات, و ذلك بعد فترة لا تتجاوز الأشهر في الأحوال العادية, و نسبة المغامرة بها ضئيلة جدا, و لعل هذا ما يميزها عن غيرها, أضف لكونها تكاد تكون الخيار الوحيد لمن أتم اختصاصه ببلده و أراد التعمق باختصاص فرعي, فبقية الدول لن تعترف بشهادة اختصاصك المحلية أكثر من كونها شهادة خبرة .
ختاماً نتمنى أن نكون من خلال هذه العجالة قد ألقينا الضوء و لو بشكل مبسط على خياراتك الأساسية في الاختصاص و متابعة دراستك الطبية, آملين أن نعيد إجراء هذه الدراسة المقارنة بعد إنهاء التفصيل في نقاطها كلاً على حدا, و ذلك لنضمن أن اختيارك للبلد الذي تود متابعة دراستك به سيكون اختياراً عملياً منطقياً يتناسب و قدراتك و إمكاناتك , و الأهم أن يحقق لك الفائدة القصوى المطلوبة في حياتك و مستقبلك.
أطيب المنى ..